رحمته بالضعفاء والمساكين والفقراء وذوي الحاجات والمرضى وأصحاب البلاء[1]1)
محمد حسام الدين الخطيب
قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في مدرسته الرحمةَ بالضعفاء والمساكين والفقراء وذوي الحاجات والمرضى وأصحاب البلاء. ولو رحتُ أستعرض لك ما ورد عنه في هذا، لضاق بنا الوقت، لكن أحدثك بما يشفي غلتك.. وأوَّله حديثٌ لا يقرؤه مسكين أو فقير أو ضعيف إلا حمد الله سبحانه على ما هو فيه.
قال: ما هو؟
قلت: قال صلى الله عليه وسلم داعياً ربه: «اللهم أحييني مسكيناً وأمِتني مسكيناً، واحشرني مع المساكين»[2]. فمن لا يغتبط بالتشبّه برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته يوم القيامة؟!
وأردفت: ومِن هذا المنطلق انطلق صلى الله عليه وسلم في رحلته مع الضعفاء والمساكين.. منذ بداية بعثته. فقد كان هؤلاء هم الدعامة الأولى في الدعوة الإسلامية، وكانوا من أوائل من آمن بها واحتضنها.. فكان صلى الله عليه وسلم يجلس إليهم، ويقربهم إليه.. حتى نقم عليه المشركون من سادة قومه، لاختياره هؤلاء عليهم! فقد روى عبد الله بن مسعود قال: « مَرَّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وعمّار وخبّاب ونحوهم من ضعفاء المسلمين.. فقالوا يا محمد؛ اطردهم، أَرَضيتَ هؤلاء من قومك؟! أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟! أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا؟! فلعلك إن تطردهم أن نأتيك. قال: فنـزلت: ;وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ[4].
وهكذا سارت رحمة محمد صلى الله عليه وسلم بالضعفاء والمساكين.. لقد أوصاه ربه سبحانه بهم، فهو لن ينسى هذه الوَصاة.. لقد اختارهم على المستكبرين من مشركي قومه، وعقد مقارنة بين الفئتين فقال: «ألا أخبركم بأهل الجنة: كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النار: كل عُتُلٍّ جوَّاظٍ مستكبر»[5].
قال الأب ستيفانو: ومن لا يحب أن يكون ضعيفاً مسكيناً بعد هذا؟!.
قلت: ولم تفتر صحبته صلى الله عليه وسلم معهم، بل كانت تزداد مع الأيام.. وطالما رآه الناس يسير مع المسكين، أو مع العبد، أو مع الأرملة، أو مع أيٍّ من الضعفاء.. يسمع منهم، ويخفف عنهم، ويقضي حوائجهم. فقد حدَّث بعض أصحابه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد، حتى يقضي له حاجته»[6].
رحمته بالجار:
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناس في مدرسته من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ في مدرسته الرحمةَ بالجار فقال: «خير الجيران خيرهم لجاره»[1].
وكان يُرغِّب ذلك إلى الناس ويقول: «من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يُؤذِ جارَه»[2].
وكان يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره»[3].
وكان يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره»[4].
* * *
وأردفت: ولعل من باب الإحسان إلى الجار وإكرامه، الإهداء له، مهما كانت الهديّة هيّنةً متواضعة، قال صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المسلمات، لا تحقِرَنّ جارةٌ لجارتها ولو فِرسِن شاة»[5].
وكان صلى الله عليه وسلم يطلب إلى المسلم أن يجعل جاره مثل نفسه، فيقول: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحبَّ لجاره ما يحبُّ لنفسه»[6].
بل إن الإنسان لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله إذا لم يكفف أذاه عن جاره. قال صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جارُه بوائقَه - أي شروره -»[7].
بل إن إيذاء الجار يمنع من دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جارُه بوائقَه»[8].
بل قد يكون المسلم معروفاً باستغراقه في عبادة الله، فلا يمنعه من دخول الجنة ويدفعه إلى النار سوى إيذائه جاره، فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي في النار»[9].
وقد يكون المسلم لا يؤدي من العبادة سوى الفرائض، لكنه لا يؤذي جيرانه - أي لا يقسو على جيرانه بل يرحمهم - فيدخل الجنة. قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بأثوار من أقط - أي صدقة هيِّنة - ولا تؤذي جيرانها. قال: هي في الجنة»[10].
* * *
وأردفتُ: وما كل هذا إلا بسبب السعادة التي يُنـزلها الجار الصالح بجاره، وبسبب الشقاء الذي يُنـزله الجار السيّء بجاره. قال صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربعٌ من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيّق»[11].
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جار السوء، وبخاصة إذا كان جاراً في دار إقامة، أما الجار الذي يفارق عن قريب فهو أخف وطأة. وكان يقول: «تعوّذوا بالله من جار السوء في دار المقام، فإن الجار البادي - أي من أهل البادية - يتحول عنك»[12].
وذلك لأن دار المقام تكون ثابتة مبنية، أما دار البداوة فتكون خيمة تُنقل من مكان إلى آخر.
* * *
وأردفتُ: ولأجل هذا كله علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ أن عقوبة إيذاء الجار – عقوبة القسوة عليه وعدم رحمته - تفوق عشر مرات عقوبةَ إيذاء غيره، فقال: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره»[13].
* * *
وأردفت: إن جميع ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بحق الجار، إنما مردّه إلى ما أوصاه به الله سبحانه في هذا، فقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه»[14].
وكان من صدى هذا التعليم النبوي للرحمة بالجار في مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن التزم المسلمون بالإحسان إلى جيرانهم، مهما كان لونهم أو عرقهم أو دينهم. فقد رُوي عن الصحابي عبد الله بن عمر، أنه ذُبحت له شاة في أهله، فلما جاء، قال: أهديتم لجارنا اليهودي، أهديتم لجارنا اليهودي - كررها - سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه»[15].
رحمته بالأصحاب:
قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في مدرسته الرحمةَ بالأصحاب، فقال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه»[1].
وكان صلى الله عليه وسلم دائماً يعطي من نفسه المثال الأمثل ليبين للناس فضل الرحمة بالأصحاب في حفظ الصحبة، لأن الرحمة إذا ارتحلت من بين الأصحاب، تبعتها المودَّة، وإذا ارتحلت المودَّة من بين الأصحاب، حلّ مكانها الجفاء، وإذا حلّ الجفاء بين الأصحاب، ماتت الصحبة، وتفكك المجتمع، وصار يكيد بعضه بعضاً.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يغتنم المناسبات ليُظهر لأصحابه رحمته بهم. وكان من أقرب أصحابه إليه جماعة الأنصار، الذين هاجر إليهم من مكة إلى المدينة، وتعاهد معهم على السراء والضراء، وأكنَّ لهم كل الحب والمودَّة، وعامَلهم بكل رحمة، حتى قال: «ألا إن الناس دثاري والأنصار شعاري[2]، لو سلك الناس وادياً، وسلكتْ الأنصار شِعباً لاتّبعتُ شِعب الأنصار [3]ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار»[4].
وكان يوصي بهم أمراء المسلمين ويقول: « من وَلِيَ أمْرَ الأنصار فليُحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مُسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتين، وأشار إلى نفسه»[5]. بل كان يوصي بهم المسلمين جميعاً ويقول: « استوصوا بالأنصار خيراً، اقبلوا من مُحسنهم، وتجاوزوا عن مُسيئهم »[6].
وكان يدعو المسلمين إلى محبتهم فيقول: «لا يبغض الأنصارَ رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر»[7].
* * *
وأردفت: وكان من أقرب أصحابه إليه جماعة المهاجرين، وهم المسلمون الأوائل الذين تركوا أرضهم وديارهم وأموالهم وخرجوا مهاجرين من مكة فراراً بدينهم الذي اعتنقوه وتمسكوا به عن صدق وإيمان، بعدما لاقوا من إيذاء وعذاب المشركين ما لاقوا.. فكانت أوضاعهم الشغلَ الشاغلَ للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى تمكن من توطينهم في المدينة بعدما آخى بينهم وبين الأنصار، وصار الفريقان بعد هذه المؤاخاة فريقاً واحداً يؤْثِر بعضهم بعضاً في كل خير.
وقد ظهرت الرحمة المتبادلة بين هاتين الجماعتين وبين النبي صلى الله عليه وسلم، في مواطن كثيرة.. لعل من أجملها وقعاً في النفس، ما رواه الصحابي الأنصاري أنس بن مالك عندما تحدث عن غزوة الخندق، التي هاجم فيها المشركون المدينة، فتحصن المسلمون داخلها , وحفروا حولها خندقاً منع دخول المشركين إليها. وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حفر ذلك الخندق. قال أنس: «إن أصحاب النبي كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إن الخير خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة»، وأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - يومذاك - بخبز شعير عليه إهالة سنخة، فأكل الجميع منها»[8].
هكذا كان صلى الله عليه وسلم يعلِّم الناس التراحم بين الأصحاب.. يشاركهم الشدة.. فيكون كأحدهم، يجهد كما يجهدون، ويأكل مما يأكلون.
رحمته بالأقارب:
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟.
قلت: لقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ في مدرسته الرحمةَ بالأقارب، وسمّى القرابة (الرَّحِم) وسمّى الرحمة بالأقارب (صِلة الرحم) ومهما حدثتُك عن صلة الرحم كما علَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدرسته، فلن أستطيع أن أوفيها حقها، لهذا سوف أحدثك بما يحضرني. وأول ما يحضرني حديثه عن خَلْق الرحم (القرابة):
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الخَلْق، حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة! قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فهوَ لكِ»[1].
ثم كأن الله سبحانه بعدما خلق الرَّحم وسمَّاها، انتصر لها وجعلها في حمايته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقتُ الرّحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلْته، ومن قطعها بَتتُّه»[2].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الرّحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله»[3].
* * *
وأردفتُ: ولهذا كانت الرحمة بالأقارب هي الأحب إلى الله سبحانه - بعد الإيمان به - من بين جميع الأعمال المقرِّبة إليه. وكانت القسوة على الأقارب، هي الأبغض إلى الله سبحانه - بعد الإشراك به – من بين جميع الأعمال المبعِدة عنه. فقد حدّث رجل من قبيلة خثعم قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه، فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: نعم.
قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله.
قلت: يا رسول الله،ثم مَه؟ قال: ثم صلة الرحم.
قلت: يا رسول الله،ثم مَه؟ قال: ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الإشراك بالله.
قلت: يا رسول الله، ثم مَه؟ قال: ثم قطيعة الرحم.
قلت: يا رسول الله، ثم مَه؟ قال: ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف»[4].
* * *
وأردفت: ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يعلِّم الناس أن ثواب الآخرة ودخول الجنة منوط بصلة الرحم، أي (برحمة الأقارب)، فقد قال: «لا يدخل الجنة قاطع رحم»[5]، أي من يقسو على أقاربه.
وروي أنه قال له رجل: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم»[6]. فمن أخلَّ بواحد من هذه الأربعة لم يضمن دخول الجنة.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يعلِّم الناس أن عقوبة قاطع الرحم تُعَجَّل له في الدنيا قبل الآخرة، فقد قال: «ما من ذنْبٍ أجدر أن يُعجِّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة - من العقوبة - من البغي، وقطيعة الرحم»[7].
ويعلِّمهم، أنه كما تُعَجَّل العقوبة في الدنيا لمن يقسو على أقاربه، فكذلك يُعجَّل الثواب في الدنيا لمن يرحم أقاربه. قال: « ليس شيء أُطيعَ اللهُ فيه، أعجل ثواباً من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم »[8].
وكان صلى الله عليه وسلم يعطي الناس مثلاً من الثواب المعجّل في الدنيا لمن يرحم الأقارب، فيقول: «صلة الرحم، وحسن الخُلُق، وحُسن الجوار، يزِدنَ في الأعمار ويَعمُرنَ الديار»[9].
رحمته بالأطفال:
وأردف الأب ستيفانو قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في مدرسته الرحمةَ بالأطفال والصبيان والعيال. فقد روى الصحابي أنس بن مالك، وكان خادماً ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما رأيت أحداً أرحم بالعيال[1] من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم - ابنه - مسترضَعاً في عوالي المدينة - حي من أحيائها - فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه لَيُدَّخَن، وكان ظئره قيناً[2]، فيأخذه فيقبِّله ثم يرجع»[3].
وكان صلى الله عليه وسلم يستدل على وجود الرحمة في قلوب الناس، برحمتهم أطفالهم، فقد جاء عن زوجته السيدة عائشة قالت: «قدِم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟! فقالوا: نعم. فقالوا: لكنا والله لا نقبِّل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأملكُ إن كان الله نـزع منكم الرحمة؟!»[4].
وجاء عن أبي هريرة: «أن الأقرع بن حابس أبصر النبي يقبّل الحسن. فقال: إنَّ لي عشرة من الولد، ما قبَّلْتُ واحداً منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يَرحم لا يُرحم»[5].
* * *
وكان صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال بما يناسب أعمارهم، فقد رُوي عنه أنه «كان يدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي حمرة لسانه فيبهش إليه - أي يسرع إليه -»[6].
ورُوي عنه أنه كان يلاعب زينب بنت أم سلمة - أي بنت زوجته من زوجها السابق - وهو يقول: «يا زوينب، يا زوينب، مراراً»[7].
وروى عنه صاحبه وخادمه أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علينا - أي على أهل أنس - ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نُغر - طائر صغير - يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة فرآه حزيناً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نُغره. فقال له: يا أبا عمير ما فعل النغير؟»[8].