قال الأب ستيفانو: حدثني أولاً عن الرحمة العامة، كيف علَّمها محمد في مدرسته؟.
قلت: عنوان هذه الرحمة التي تعمُّ البشر جميعاً، هو الآية القرآنية التي سلف أن ذكرتها لك: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[1].
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خاب عبدٌ وخسر لم يجعل الله في قلبه رحمةً للبشر»[2].
قال: أجل والله، خاب وخسر، هذا دعاء على القساة الجفاة. هذه واحدة، والثانية؟
قلت: وجاء عنه أنه قال: «من لا يَرحَم لا يُرحم، ومن لا يَغفر لا يُغفر له»[3].
قال: أجل والله، العين بالعين، هذا هو الجزاء العادل للقساة الجفاة. والثالثة؟
قلت: وجاء عنه أنه قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن - تبارك وتعالى - ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء»[4].
قال: أجل والله، هذه بشرى للرحماء. والرابعة؟
قلت: وجاء عنه أنه قال: «والذي نفسي بيده، لا يضع الله رحمته إلا على رحيم.قالوا كلنا يرحم. قال: ليس برحمة أحدكم صاحبه، يرحم الناس كافة»[5].
قال: إي والله، الرحمة الحقيقية هي ما تتعدى القريب إلى البعيد.. بل إلى الناس جميعاً.
قلت: أترى المقصود بالرحمة في هذه الأحاديث النبوية، فئة معينة من الناس أم البشر عامة؟
قال: بل هذه رحمة تعمُّ الناس جميعاً..
* * *
وأردف الأب ستيفانو قائلاً: أظنك الآن ستحدثني عن الرحمة الخاصة التي تَوَجَّه بها محمد إلى البشر في المجتمع الإسلامي.
قلت: أجل.
قال: هل لك أن تحدثني قبل هذا عن المجتمع الإسلامي الذي بناه محمد وأرسى قواعده، أَبَنَاه على أسس الرحمة أم على أسس العنف؟ كيف بنى محمد هذا المجتمع؟.
قلت: لقد بناه على الرحمة ممزوجة بالمحبة.
قال: كيف هذا؟ كيف تجلَّت مظاهر الرحمة الممزوجة بالمحبة في بناء هذا المجتمع؟ ليتك توضح لي هذا بنصوص أصلية.
[1] الأنبياء /107 – يقول المستشرق (ماكس فان برشم) في مقدمة كتابه (العرب في آسيا): «الحقُّ أن محمداً هو فخر للإنسانية جمعاء، وهو الذي جاءها يحمل إليها الرحمة المطْلقة، فكان عنوان بعثته: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».
[2] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني - الحديث رقم /456/.
[3] المرجع السابق الحديث رقم /483/.
[4] المرجع السابق الحديث رقم /925/.
[5] المرجع السابق الحديث رقم /167.